كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعلوم أن مذهب مالك: أنه لا يذبح هدي التمتع والقران بمنى، إلا إذا وقف به بعرفة، وإن لم يقف به بعرفة ذبحه في مكة، ولابد عنده في الهدي أن يجمع به بين الحل والحرم، فإن اشتراه في الحرم. لزمه إخراجه إلى الحل والرجوع به إلى الحرم وذبحه فيه، وإنما قلنا: إن الظاهر لنا في هذه المسألة عدم اشتراط جمع الهدي، بين الحل والحرم لثلاثة أمور.
الأول: أنه لم يرد نص بذلك يجب الرجوع إليه.
الثاني: أن المقصود من الهدي نفع فقراء الحرم، ولا فائدة لهم في جمعه بين الحل والحرم.
الثالث: أنه قول أكثر أهل العلم. وقال جماعة من أهل العلم: يستحب أن يكون الهدي معه من بلده، فإن لم يفعل فشراؤه من الطريق أفضل من شرائه من مكة، ثم من مكة، ثم من عرفات، فإن لم يسقه أصلًا بل اشتراه من منى جاز، وحصل الهدي. اهـ.
وهذا هو الظاهر واحتج من قال: بأنه لابد أن يجمع بين الحل والحرم، بأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يهد هديا إلا جامعًا بين الحل والحرم، لأنه يساق من الحل إلى الحرم وأن ذلك هو ظاهر قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن ابن عمر اشترى هديه من الطريق، ونحو ذلك من الأدلة، ولا شك أن سوق الهدي من الحل إلى الحرم: أفضل ولا يقل عن درجة الاستحباب، كما ذكرنا عن بعض أهل العلم. أما كونه لا يجزئ بدون ذلك، فإنه يحتاج إلى دليل خاص، ولا دليل يجب الرجوع إليه يقتضي ذلك، لأن الذي دل عليه الشرع أن المقصود التقرب إلى الله بما رزقهم من بهيمة الأنعام، في مكان معين في زمن معين والغرض المقصود شرعًا حاصل، ولو لم يجمع الهدي بين حل وحرم، وجمع هديه صلى الله عليه وسلم بين الحل والحرم، محتمل للأمر الجبلي، فلا يتمحض لقصد التشريع، لأن تحصيل الهدي أسهل عليه من بلده، ولأن الإبل التي قدم بها على من اليمن تيسر له وجودها هناك، والله جل وعلا أعلم. فحصول الهدي في الحل يشبه الوصف الطردي، لأنه لم يتضمن مصلحة كما ترى، والعلم عند الله تعالى.
ولا خلاف بين أهل العلم: في أن المهدي إن اضطر لركوب البدنة المهداة في الطريق، أن له أن يركبها لما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوق بدنة فقال: اركبها. قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة» هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري فقال «اركبها فقال: إنها بدنة فقال: اركبها، قال: إنها بدنة فقال: اركبها، ويلك في الثانية أو في الثالثة» وروى مسلم نحوه عن أنس، وجابر رضي الله عنهما.
واعلم: أن أهل العلم اختلفوا في ركوب الهدي، فذهب بعضهم إلى أنه يجوز للضرورة دون غيرها، وهو مذهب الشافعي، قال النووي: وبه قال ابن المنذر، وهو رواية عن مالك، وقال عروة بن الزبير، ومالك، وأحمد وإسحاق: له ركوبه من غير حاجة، بحيث لا يضره. وبه قال أهل الظاهر، وقال أبو حنيفة: لا يركبه، إلا إن لم يجد منه أبدًا، وحكى القاضي عن بعض العلماء: أنه أوجب ركوبها لمطلق الأمر ولمخالفة ما كانت الجاهلية عليه، من إهمال السائبة والبحيرة والوصيلة والحام.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر الأقوال دليلًا عندي في ركوب الهدي، واجبًا أو غير واجب: هو أنه إن دعته ضرورة لذلك جاز وإلا فلا، لأن أخص النصوص الواردة في ذلك بمحل النزاع.
وأصرحها فيه ما رواه مسلم في صحيحه. وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن أبن جريج: أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله، سئل عن ركوب الهدي؟ فقال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا» وفي رواية عنه في صحيح مسلم: «اركبها بالمعروف حتى تجد ظهرا»اهـ. فهذا الحديث الصحيح فيه التصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن ركوب الهدي إنما يجوز بالمعروف، إذا ألجأت إليه الضرورة، فإن زالت الضرورة بوجود ظهر يركبه غير الهدي: ترك ركوب الهدي، فهذا القيد الذي في هذا الحديث تقيد به جميع الروايات الخالية عن القيد، لوجوب حمل المطلق على المقيد، عند جماهير أهل العلم. ولاسيما إن اتحد الحكم، والسبب كما هنا.
أما حجة من قال: بوجوب ركوب الهدي، فهي ظاهرة السقوط، لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يركب هديه كما هو معلوم. وأما حجة: من أجاز الركوب مطلقًا، فهو قوله صلى الله عليه وسلم: «ويلك اركبها» وقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [الحج: 33] على أحد التفسيرين، ولا تنهض به الحجة فيما يظهر، لأنه محمول على كونه تدعوه الضرورة إلى ذلك، بدليل حديث جابر عند مسلم الذي ذكرناه آنفًا فهو أخص نص في محل النزاع، فلا ينبغي العدول عنه، والعلم عند الله تعالى، والظاهر أن شرب ما فضل من لبنها، عن ولدها لا بأس به، لأنه لا ضرر فيه عليها ولا على ولدها. وقال بعض أهل العلم: إن ركبها الركوب المباح للضرورة ونقصها ذلك: فعليه قيمة النقص يتصدق بها. وله وجه من النظر. والعلم عند الله تعالى.
وإنما قلنا: إن الظاهر أنه لا فرق في الحكم المذكور بين الهدي الواجب وغيره، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لصاحب البدنة «اركبها» وهي مقلدة نعلًا، وقد صرح له تصريحًا مكررًا بأنها بدنة، ولم يستفصله النَّبي صلى الله عليه وسلم، هل تلك البدنة من الهدي الواجب أو غيره، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال كما تقدم إيضاحه مرارًا. وقد أشار إليه في مراقي السعود بقوله:
ونزلن ترك الاستفصال ** منزلة العموم في الأقوال

مسألة في حكم الهدي إذا عطب في الطريق أو بعد بلوغ محله:
اعلم أولًا أن الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه: أن من بعث معه هدي إلى الحرم فعطب في الطريق، قبل بلوغ محله: أنه ينحره ثم يصبغ نعليه في دمه، ويضرب بالنعل المصبوغ بالدم صفحة سنامها، ليعلم من مر بها أنها هدي ويخلي بينها وبين الناس، ولا يألك منها هو، ولا أحد من أهل رفقته المرافقين له في سفره.
وإنما قلنا: إن هذا هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه: لثبوته عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح، فقد روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ما لفظه «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنه، مع رجل وامرأة فيها قال: فمضى ثم رجع فقال: يا رسول الله، كيف أصنع بما أبدع على منها؟ قال: انحرها، ثم اصبغ نعليها في دمها ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك» انتهى من صحيح مسلم.
وفي رواية صحيح مسلم، عن ابن عباس «أن ذؤيبًا أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إن عطب شيء منها فخشيت عليه موتًا فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب بها صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك» انتهى منه. وقوله: كيف أصنع بما أبدع منها: هو بضم الهمزة، وإسكان الباء، وكسر الدال بصيغة المبني للمفعول: أي كل وأعيي حتى وقف من الإعياء، فهذا النص الصحيح، لا يلتفت معه إلى قول من قال: إن رفقته لهم الأكل مه جملة المساكين، لأنه مخالف للنص الصحيح، ولا قول أحد مع السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، كما أوضحناه مرارًا. والظاهر أن علة منعه ومنع رفقته: هو سد الذريعة لئلا يتوصل هو أو بعض رفقته إلى نحره، بدعوى أنه عطب أو بالتسبب له في ذلك للطمع في أَكل لحمه، لأنه صار للفقراء، وهم يعدون أنفسهم من الفقراء، ولو لم يبلغ محله. والظاهر: أنه لا يجوز الأكل منه للأغنياء، بل للفقراء والله أعلم.
فإن قيل: روى أصحاب السنن عن ناجية الأسلمي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي فقال: إن عطب فانحره، ثم اسبغ نعله في دمه، ثم خل بينه وبين الناس». اهـ. وظاهر قوله «وبين الناس» يشمل بعمومه سائق الهدي ورفقته.
فالجواب: أن حديث مسلم أصح وأخص، والخاص يقضي على العام. لأن حديث مسلم أخرج السائق ورفقته من عموم حديث أصحاب السنن. ومعلوم: أن الخاص يقضي على العام.
واعلم أن العلماء تفاصيل في حكم ما عطب من الهدي، قبل نحره بمحل النحر، سنذكر أرجحها عندنا إن شاء الله من غير استقصاء للأقوال والحجج، لأن مسائل الحج أطلنا عليها الكلام طولًا يقتضي الاختصار في بعضها خوف الإطالة المملة.
اعلم أولًا: أن الهدي إما واجب، وإما تطوع، والواجب إما بالنذر، أو بغيره، والواجب بالنذر، إما معين، أو غير معين، فالظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه: أن الهدي الواجب بغير النذر كهدي التمتع والقران والدماء الواجبة بترك واجب، أو فعل محظور، والواجب بالنذر في ذمته كأن يقول: على لله نذر أن أهدي هديا، أن لجميع ذلك حالتين.
الأولى: أن يكون ساق ما ذكر من الهدي ينوي به الهدي الواجب عليه، من غير أن يعينه بالقول، كأن يقول: هذا الهدي سقته أريد به أداء الهدي الواجب علي.
والحالية الثانية: هي أن يسوقه ينوي به الهدي المذكور مع تعيينه بالقول، فإن نواه ولم يعينه بالقول.
فالظاهر: أنه لا يزال في ضمانه ولا يزول ملكه عنه، إلا بذبحه ودفعه إلى مستحقيه، ولذا إن عطب في الطريق فله التصرف فيه بما شاء من أكل وبيع، لأنه لم يزل في ملكه، وهو مطالب بأداء الهدي الواجب عليه بشيء آخر غير الذي عطب، لأنه عطب في ضمانه، فهو بمنزلة من عليه دين فحمله إلى مستحقه بقصد دفعه إليه، فتلف قبل أن يوصله إليه: فعليه قضاء الدين بغير التالف، لأنه تلف في ذمته وإن تعيب الهدي المذكور قبل بلوغه محله، فعليه بدله سليمًا ويفعل بالذي تعيب ما شاء، لأنه لم يزل في ملكه، وضمانه. والذي يظهر أن له التصرف فيه، ولو لم يعطب، ولم يتعيب، لأن مجرد نية إهدائه عن الهدي الواجب لا ينقل ملكه عنه، والهدي المذكور لازم له في ذمته، حتى يوصله إلى مستحقه. والظاهر: أن له نماءه.
وأما الحالة الثانية: وهي ما إذا نواه وعينه بالقول كأن يقول: هذا هو الهدي الواجب فيه من غير أن تبرأ الذمة، فليس له التصرف فيه ما دام سليمًا، وإن عطب أو سرق أو ضل أو نحو ذلك لم يجزه، وعاد الوجوب إلى ذمته. فيجب عليه هدي آخر، لأن الذمة لا تبرأ بمجرد التعيين بالنية والقول أو التقليد والإشعار. والظاهر: أنه إن عطب فعل به ما شاء، لأن الهدي لازم في ذمته، وهذا الذي عطب صار كأنه شيء من ماله لا حق فيه لفقراء الحرم، لأن حقهم باق في الذمة، فله بيعه وأكله، وكل ما شاء. وعلى هذا جمهور أهل العلم. وعن مالك يأكل ويطعم من شاء من الأغنياء والفقراء، ولا يبيع منه شيئًا، وإن بلغ الهدي محله فذبحه وسرق: فلا شيء عليه عند أحمد.
قال في المغني: وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك، وأصحاب الرأي. وقال الشافعي: عليه الإعادة، لأنه لم يوصف الحق إلى مستحقه، فأشبه ما لو لم يذبحه. ولنا أنه أدى الواجب عليه، فبرئ منه كما لو فرقه. ودليل أنه أدى الواجب: أنه لم يبق إلا التفرقة، وليست واجبة، بدليل أنه لو خلى بينه، وبين الفقراء أجزأه. ولذلك لما نحر النَّبي صلى الله عليه وسلم البدنات قال: «من شاء اقتطع» انتهى محل الغرض من المغني.
وأظهر القولين عندي: أنه لا تبرأ ذمته بذبحه: حتى يوصله إلى المستحقين، لأن المستحقين إن لم ينتفعوا به، لا فرق عندهم بين ذبحه وبين بقائه حيًّا، ولأن الله تعالى يقول: {وَأَطْعِمُواْ البائس الفقير} [الحج: 28] ويقول: {وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر} [الحج: 36] الآيتان تدلان على لزوم التفرقة، والتخلية بينه، وبين الفقراء يقتسمونه تفرقة ضمنية، لأن الإذن لهم في ذلك، وهو متيسر لهم كإعطائهم إياه بالفعل والعلم عند الله تعالى.
وقول من قال: إن الهدي المذكور إن تعيب في الطريق فعليه نحره، ونحر هدي آخر غير معيب لا يظهر كل الظهور، إذ لا موجب لتعدد الواجب عليه وهو لم يجب عليه إلا واحد. وحجة من قال بذلك: أنه لما عينه متقربًا به إلى الله لا يحسن انتفاعه به بعد ذلك، ولو لم يجزئه.
وأما الواجب المعين بالنذر، كأن يقول: نذرت لله إهداء هذا الهدي المعين، فالظاهر أنه يتعين بالنذر، ولا يكون في ذمته، فإن عطب أو سرق: لم يلزمه بدله، لأن حق الفقراء إنما تعلق بعينه، لا بذمة المهدي. والظاهر أنه ليس له الأكل منه سواء عطب في الطريق أو بلغ محله.
وحاصل ما ذكرنا: راجع إلى أن ما عطب بالطريق من الهدي إن كان متعلقًا بذمته سليمًا فالظاهر: أن له الأكل منه، والتصرف فيه، لأنه يلزمه بدله سليمًا، وقيل: يلزم الذي عطب والسليم معًا لفقراء الحرم، وأن ما تعلق الوجوب فيه بعين الهدى كالنذر المعين للمساكين، ليس فيه تصرف فيه، ولا الأكل منه إذا عطب ولا بعد نحره، إن بلغ محله على الأظهر.
واعلم: أن مالكًا وأصحابه يقولون: إن كل هدي، جاز الأكل منه للمهدي له، أن يطعم منه من شاء من الأغنياء والفقراء، وكل هدي لا يجوز له الأكل منه، فلا يجوز إطعامه إلا للفقراء الذين لا تلزمه نفقتهم، وكره عندهم إطعام الذميين منه. وستأتي تفاصيل ما يجوز الأكل منه، وما لا يجوز إن شاء الله تعالى في الكلام على آية: {فَكُلُواْ مِنْهَا} [البقرة: 58] الآية.
وأما هدي التطوع: فالظاهر أنه إن عطب في الطريق ألقيت قلائده في دمه، وخلى بينه وبين الناس، وإن كان له سائق مرسل معه لم يأكل منه هو ولا أحد من رفقته، كماتقدم إيضاحه، وليس لصاحبه الأكل منه عند مالك وأصحابه. وهو ظاهر مذهب أحمد، وليس عيه بدله لأنه معين لم يتعلق بذمته. وأما مذهب الشافعي، وأصحابه: فهو أن هدي التطوع باق على ملك صاحبه، فله ذبحه، وأكله، وبيعه وسائر التصرفات فيه. ولو قلده لأنه لم يوجد منه إلا نية ذبحه والنية لا تزيل ملكه عنه، حتى يذبحه بمحله، فلو عطب في الطريق فلمهديه أن يفعل به ما شاء من بيع وأكل وإطعام، لأنه لم يزل في ملكه ولا شيء عليه في شيء من ذلك. وأما مذهب أبي حنيفة في هدي التطوع إذا عطب في الطريق قبل بلوغ محله: فهو أنه لا يجوز لمهديه الأكل منه ولا لغني من الأغنياء، وإنما يأكله الفقراء. ووجه قول من قال إن هدي التطوع إذا عطب في الطريق، لا يجوز لمهيده أن يأكل منه: هو أن الإذن له في الأكل، جاء النص به بعد بلوغه محله، أما قبل بلوغه محله فلم يأت الإذن بأكله، ووجه خصوص الفقراء به، لأنه حينئذ يصير صدقة، لأن كونه صدقة خير من أن يترك للسباع تأكله. هكذا قالوا: والعلم عند الله تعالى.
تنبيه:
الأظهر عندي أنه إذا عين هديا بالقول، أو التقليد، والإشعار ثم ضل ثم نحر هديا آخر مكانه ثم وجد الهدي الأول الذي كان ضالًا: أن عليه أن ينحره أيضًا، لأنه صار هديا للفقراء. فلا ينبغي أن يرده لمكله، مع وجوده، وكذلك إن عين بدلًا عنه، ثم وجد الضال، فإنه ينحرهما معًا.
قال ابن قدامة في المغني: وروي ذلك عن عمر وابنه، وابن عباس وفعلته عائشة رضي الله عنهم. وبه قال مالك، والشافعي، وإسحاق، ويتخرج على قولنا فيما إذا تعيب الهدي، فأبدله فإن له أن يصنع ما شاء أن يرجع إلى ملك أحدهما، لأنه قد ذبح ما في الذمة، فلم يلزمه شيء آخر، كما لو عط بالمعين وهذا قول أصحاب الرأي.
ووجه الأول: ما روي عن عائشة رضي الله عنها: أنها أهدت هديين، فأضلتهما، فبعث إليها ابن الزبير هديين فنحرتهما، ثم عاد الضالان فنحرتهما، وقالت: هذه سنة الهدي رواه الدارقطني. وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه تعلق حق الله بهما بإيجابهما أو ذبح أحدهما، وإيجاب الآخر. انتهى محل الغرض من المغني. وليس في المسألة شيء مرفوع. والأحوط: ذبح الجميع كما ذكرنا أنه الأظهر، والعلم عند الله تعالى.
واعلم: أن الهدي إن كان معينًا بالنذر من الأصل، بأن قال: نذرت إهداء هذا الهدي بعينه أو معينًا تطوعًا، إذا رآه صاحبه في حالة يغلب على الظن: أنه سيموت، فإنه تلزمه ذكاته، وإن فرط فيها حتى مات كان عليه ضمانه، لأنه كالوديعة عنده.